قال المصنف رحمه الله: [فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه] يعني: هذه الأصول الخمسة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قال: [ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل] أي: لم يؤمن بها الإيمان الذي يقبله الله إلا أتباع الرسل.
وعلى هذا: فمن آمن بالله والملائكة والكتب من غير اتباع للرسل، فهو لم يؤمن بالله على الحقيقة، وما عرف الله حق معرفته؛ بل قد ضل ضلالاً بعيداً.
وأخذ رحمه الله يمثل لأكبر وأوضح نموذج للأعداء المخالفين لمنهج الرسل فقال: [وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع، فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، وأعظم الناس لها إنكاراً الفلاسفة المسمّون عند من يعظمهم بالحكماء؛ فإن من علم حقيقة قولهم؛ علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر]
إن الإنسان -بقدر مخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقدر مخالفته لما جاءت به الرسل- ينقص إيمانه، ثم يبعد بعداً كلياً عن الإيمان، كما هو حال الفلاسفة .
والفلاسفة ليسوا منكرين لوجود الله، فلم يعهد عن أمة من الأمم أو طائفة معروفة من بني آدم أنها تنكر وجود الله إنكاراً كلياً، وإنما ظهر هذا الإلحاد الخبيث في القرون المتأخرة، وعلى أيدي شواذ، وبسبب ردود فعل معينة.
والمقصود: أن الفلاسفة الأولين لم يكونوا ينكرون وجود الله إنكاراً كلياً، ولا يقولون: ليس هناك إله، وإنما كانوا يفسرون الإيمان بالله وبالملائكة تفسيرات ضالة، ومن هنا تعرض المصنفللفلاسفة، وهو يقصد هنا الفلاسفة الإسلاميين، أي: المنتسبين إلى الإسلام، وإلا فالإسلام ليس فيه فلسفة.
فالمنتسبون للإسلام من الفلاسفة هم الذين يلبسون على المسلمين، ويقولون: نحن نؤمن بالله مثلكم؛ لكن الله كذا وكذا، ونؤمن بالملائكة؛ لكن الملائكة عندنا كذا وكذا، ونؤمن بالقرآن؛ لكنه عندنا كذا وكذا، على ما سوف يأتي تفصيله.
أما غير الفلاسفة الإسلاميين؛ فإنهم يختلفون؛ فـفلاسفة كل دين بحسبه؛ فإن فلاسفة اليهود يأخذون من اليهودية، ويقاربونها، وفلاسفة النصارى يأخذون من النصرانية ويقاربونها.